|
حرب المال مع المال

تُشير بعض المزاعم إلى أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا تتضمن تفضيلات سياسية وتحتوي على دعم مطلق. كما يُقال إن إسرائيل مفضلة بكل النواحي في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. وهناك أيضًا من يفيد أن هذا الدعم ليس مطلقًا، ويمكن طرحه في الغالب بين دوائر البروتستانتيين الأنجلو سكسونيين البيض، ويقابل هذا الدعم شكوكًا خاصة في الأوساط السياسية الكاثوليكية، وهناك من يرى بأن إسرائيل باتت تمثل عبئًا على الولايات المتحدة الأمريكية. ونرى من خلال توجهات بايدن والحكومة الديمقراطية وممارساتهما أن الفرضية الثانية قد تكون أكثر صحة. فموقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية يؤكده بايدن بطرح حل الدولتين، والذي أعلنت إسرائيل التخلي عنه رسميًا.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الإدارة الأمريكية أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو المسؤول الأول عن مقتل خاشقجي وقالت إنه سيُحاسب. وكانت هذه التصريحات كافية لتدمير التوازنات القائمة في الشرق الأوسط. شهدت العلاقات الأميركية السعودية حالة من "التوتر والفتور". وبالتزامن مع ذلك، قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحملات لمكافحة الفساد الداخلي وتثبيت نفسه بالسلطة.


أصبح موقف محمد بن سلمان تجاه الولايات المتحدة واضحًا أيضًا. ولم يرد على مكالمات بايدن. وأجبر بايدن على المجيء إليه. ولم تسفر المفاوضات عن أي نتائج. حتى الإمارات العربية المتحدة، التي كانت أقرب إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، أدارت عجلة القيادة وتبعت السعوديين. عندما ننظر إلى الجانب الآخر من الجبهة، أي الجانب الإسرائيلي، نرى أن المشهد سيئ وأنه بعد تشكيل حكومة نتنياهو، دخلت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في أسوأ مراحلها.


تزامنت هذه التطورات السياسية مع تزعزع البترودولار، الذي يعد شريان الحياة الاقتصادي للولايات المتحدة. تقوم الصين بإبرام اتفاقيات أولية مع السعودية لاستبدال الدولار كعملة في تسعير النفط (البترودولار). وهناك مباحثات للتوصل لنظام دفع يعتمد على "البترويوان" مقابل الذهب. علاوة على ذلك، تتخذ الصين من خلال الوساطة خطوات فعالة أدت إلى بدء السلام بين إيران والمملكة العربية السعودية. وهذا التطور سيقلب تجارة النفط والأسلحة رأسا على عقب.


والمفاجأة الكبيرة أن فرنسا، لها يد في هذه التطورات التي هزت البترودولار، وذلك بعد موافقتها على دفع ثمن مشتريات الغاز السائل باليوان. كانت إمبراطورية الدولار الأمريكي تمتلك البترودولار بيد وتسحب في نفس الوقت فائض أوروبا إلى الولايات المتحدة. كانت هناك ظاهرة اليورودولار التي تأثرت نسبيا بالعملة الأوروبية اليورو. ولكن الأخطر من ذلك، أنه في الوقت الذي كان فيه حجم التجارة الأمريكية الأوروبية يبلغ 80 %، بدأ هذا المعدل في الانخفاض بسرعة بعد دخول الصين على الخط. وحل مكان هذا الانخفاض زيادات كبيرة وسريعة في حجم التبادلات و العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والصين وفرنسا.


كانت روسيا تعزز موقفها من خلال بيع موارد الطاقة لكلا الجانبين وجعل التوسعات العالمية وفقًا لها. وقد تطرقت في مقالات سابقة حول هذا الأمر. الحرب الروسية الأوكرانية هي في الواقع حرب أطلسية أوروبية وأطلسية باسيفيكية. لقد دخلت أوروبا فعليا في عملية انفصالها عن روسيا والصين تحت ضغط عسكري أمريكي شديد. ويبدو أنه من الصعب الإعلان عن ذلك. حقيقة أن فرنسا قد اتخذت قرارا من شأنه وضع الولايات المتحدة، التي تكافح التضخم، في موقف صعب يشير إلى أن العلاقات الأطلسية الأوروبية قد تكون مختلفة تماما في الأيام المقبلة.


إن إقران نظام نقدي سليم (محدود) باقتصاد منتج هو نظام قصير الأجل. كان هذا النظام ممكنا للولايات المتحدة تقريبا بين عامي 1945 و 1970. ولكن بعد سبيعينات القرن الماضي، فقدت الولايات المتحدة إنتاجيتها الاقتصادية، من ناحية رأس المال والعمالة.


غالبا ما تخبط هذا النظام مقابل ألمانيا، التي حققت إنتاجيتها وكفاءتها، ومقابل اليابان التي استمرت في إنتاجيتها حتى عام 2000. لكن الولايات المتحدة تمكنت بطريقة ما من التغلب على هذا النظام من خلال الحفاظ على مكانتها في الشبكة التجارية عبر التمسك بزمام الأمور بنفسها.


بدأت المشاكل الخطيرة للولايات المتحدة بعد دخول الصين وجعل كل من اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وفرنسا، أكبر شركائها التجاريين. كان هذا هو التطور الذي سحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة.


قامت الولايات المتحدة بالهيمنة على التجارة العالمية عبر الدولار، وذلك من أجل الحفاظ على قيمة أموالها المطبوعة. وهذا الأمر أنقذها مدة ربع قرن. ومنذ عام 2008 وحتى يومنا هذا، يبدو أن قوة هذا الأمر قد انتهت.

النقود المطبوعة لا تعود إلى الاقتصاد الأمريكي. إنها تتضخم في سوق الأوراق المالية وأسواق السندات وقطاع العقارات. ويؤدي ذلك إلى التضخم عند دخول النقود في الاستهلاك من خلال قنوات الائتمان. وهذا يشكل مخاطر قاتلة على الاقتصاد.


والآن باتت الثقة في أسطورة الدولار تتراجع بسرعة. وهذا يدفع الحكومات والشركات للبحث عن وسائل جديدة للدفع، لذا بدأت عملية الهروب من الدولار.


من الضروري النظر إلى الزيادة في الطلب على الدولار والارتفاع الدوري للدولار بسبب إلحاح الدفع، والبقاء على المسار الصحيح.

قامت الولايات المتحدة بمحاولة يائسة لشن حرب ضد التضخم من خلال فرض أسعار فائدة مرتفعة.


وإذا فشلت واشنطن في كسب هذه الحرب، ستدمر مصداقية الدولار. وهذه طريقة غير مجدية. عندما تقول أمريكا "سأخفض التضخم" فإنها تعمل على اتخاذ أمور تدل على أن صبرها نفذ ورأينا ذلك في أزمة السندات الأخيرة.


ويجب على واشنطن أن تطبع نقودا أكثر مما تستهلك. بمعنى آخر دخلت واشنطن في دائرة الفساد ولا توجد طريقة للخروج منها


لقد شاهدت الصين ما يحصل بأمريكا. لم تكن بكين أبدا منافسا، ولكن كانت تتمتع بالصبر والتصميم وتحسب كل تحركاتها، لذلك كانت تحرك الركائز التي تحافظ على الدولار وهي تشاهد.


يتخلى شركاء الولايات المتحدة تدريجيا عن السفينة الأطلسية وينتقلون تدريجيا إلى سفينة المحيط الهادئ.


وَجَّه قرار أوبك+ الأخير في تخفيض الإنتاج وتفجير أسعار النفط، ضربة قوية لجهود مكافحة التضخم في الولايات المتحدة. إنه مسار لا مفر منه. وتحت أنظارنا، تتصاعد الحروب. لكن في نهاية المطاف، الحرب الحقيقية هي حرب المال مع المال.


من المؤكد أن الخيارات التي تجري في العالم اليوم هي تلك التي يقع تحت ظلها جهات حرب المال.


#المال
#واشنطن
#الدولار
#اليورو
#إسرائيل
1 yıl önce
حرب المال مع المال
تصريحات الملكة رانيا
رسالة حزب العدالة والتنمية.. من سيواصل حمل رايتها؟
رغم اشتداد عزلة إسرائيل.. الحقيقة التي ترفض ستاربكس إعلانها
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك