|
الصغير الوديع

ستنطلق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية يوم الأحد القادم 28 مايو/أيار. سنكون حينها قادرين على تقييم الصورة الكاملة لانتخابات 2023 والتحدث عنها. ووفقا للمعطيات الأولية تبدو الصورة ضبابية وغامضة وتسودها المراوغات التي لم يتوقعها القائمون على النظام الرئاسي الجديد، حيث نشأت من التجربة ذاتها. بطريقة ما.

وهذا وضع يجب أن ينظر إليه على أنه طبيعي. فالانتخابات الثانية التي أجريناها من خلال نفس النظام الرئاسي، لذا تعد هذه التجربة تجربة جديدة.

كما يمكن أيضا ملاحظة أن النظام الرئاسي، يعطي "خطأ" في التجربة والممارسة. ويمكن إجراء التجديدات والإصلاحات. وربما هناك حاجة إلى مراجعته.


وهنا أنا لا أتحدث فقط عن المتطلبات العملية، بل أرى أن هناك قضايا خطيرة للغاية من حيث الأخلاق السياسية. شكوكي حول العلاقات بين السياسة والأخلاق باقية. لكني أعتقد أن بعض التأثيرات النظامية تضعف بشكل خاص الأخلاق في السياسة.


أول متطلب يجب التحدث عنه يتعلق بأن هذا النظام ينشأ تحالفات. وقد يكون هناك من يعتبر أن هذا الأمر طبيعي. لكن ألم تكن مطالبات هذا النظام إنقاذ السياسة التركية من ويلات الائتلافات؟ وفي المقابل ألا تحمل التحالفات في الواقع أبعادا مختلفة تفوق كونها مجرد ائتلافات. فالسياسة الديمقراطية هي بنية تصبح تعددية بعد مرحلة ما، بغض النظر عن حجم تحقيق الأغلبية من وقت لآخر.


الائتلافات هي تقنية سياسية تنظم هذه الهياكل المتعددة وتضعها في النظام. أنا لست ضد التحالفات. لكن أرى أن هذه الأمور بعيدة كل البعد عن اكتساب الانضباط المبدئي في تركيا. للأسف، وعلى عكس التوقعات تبين لنا أن تجربة تشكيلات التحالفات باتت كتجربة تعمق ظاهرة التآكل الأخلاقي في السياسة. أستطيع أن أقول إنني أرى ذلك بوضوح شديد في انتخابات 2023.


تأسس تحالف الجمهور بعد محاولة الانقلاب 15 يوليو/تموز. بدأ حزب العدالة والتنمية بالنضال مع الدوائر اليسارية الليبرالية التي بدت ذات يوم أنها داعمة له، بدءا من أحداث 17-25 ديسمبر/كانون الأول. بعد أن رأى أن الغالبية العظمى من هذه الدوائر قد غدرت به في 15 يوليو/تموز، ثم أعاد النظر في حساباته مرة أخرى. كانت الحساسية التي تواجه الخطوط الإسلامية التركية التي يحملها الحزب أكثر عمقا. وهذا ما جعل حزب العدالة والتنمية أقرب إلى حزب الحركة القومية، الذي دعا إلى خط تركي إسلامي. أستطيع أن أقول إن تحالف الجمهور هو تحالف راسخ نسبيا. لا أعرف مبدئيا نتائج انضمام حزبي الرفاه من جديد وهدى بار في هذا التحالف . سنرى من خلال التجربة والممارسة


أما تحالف الأمة المعارض الذي تأسس كائتلاف فقد شهد ظهور ممثليه بمظاهر متحولة مثل "طلب الصفح والمسامحة من الشعب" والمصالحات التاريخية وما إلى ذلك. في الواقع، لهذا التحالف ركيزتان: الأولى الإصرار والعزم على التخلص من أردوغان، والثانية الرغبة في العودة إلى النظام البرلماني. وبدا منذ البداية أن الركيزة الثانية فاسدة تمامًا. ربما لم يصدقوا ذلك بأنفسهم. لكن الركيزة الأولى كانت قوية وحملت فكرة "التحالف للتخلص من أردوغان". ولم يكن لمكونات تحالف الأمة شيء يمكن ذكره خلاف ذلك. وبعد ذلك نجح أول خط صدع رئيسي. كان استحواذ حزب الشعب الجمهوري على حزب المستقبل الذي يترأسه وزير الخارجية السابق (داود أوغلو) الذي شهد هجرة السوريين إلى البلاد وحزب الديمقراطية والتقدم الذي يترأسه (علي باباجان) المنفذ الرئيسي للسياسة الاقتصادية التي اشتكوا منها، خطأ في حد ذاته.


لكنهم أرادوا أن يتم الترويج لهم من خلال طلب الصفح والمسامحة من الشعب (المعارضة طلبت الصفح من الشعب على ما فعلته به في الماضي من تقييد للحريات الدينية وغيرها). وعلى الأرجح، تم توجيه دعوة إلى أصوات أعضاء حزب العدالة والتنمية المستائين والمترددين من خلال هذين الحزبين. اتفقت هذه الأحزاب الثلاثة على قضية واحدة، وهي الاتكاء على حزب الشعوب الديمقراطي. كان خطاب زعيم حزب الشعب الجمهوري يزداد صخبا من أجل ذلك الأمر. صمت الحزب الاشتراكي، الذي كان من المفترض أن يعترض على ذلك. ولكن فكر القوميين، لم يستطع تحمل هذا الخطاب. على الرغم من قلب الطاولة السداسية وانسحاب أكشنار، فقد أعيد تأسيسها بسرعة تحت ضغوط. وفي النهاية، حصل كليجدار أوغلو مرشح تحالف "التخلص من أردوغان" المعارض على دعم حزب الشعوب الديمقراطي، الذي اعتبروه الحزب الرئيسي. لكنهم بخطوتهم هذه لم يفعلوا شيئا سوى تعزيز تحالف الجمهور. ولم يكن حزب الشعوب الديمقراطي هو العنصر الأساسي في الانتخابات. بل على العكس من ذلك، فقد بدا أن الجماهير الصامتة التي استاءت من التعاون بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي وتذكرت شهداءها كانت لديها مشاعر قومية ساخطة.

كان الجانب الآخر من هذه المشاعر القومية هو ردة الفعل على الوجود المتزايد غير المنضبط للأجانب في البلاد. استقبل مرشح تحالف الأجداد هذه الموجة وحقق نجاحًا مفاجئا. في هذه المرحلة بدأ الفعل الأخير من العار يتكشف. واتهم كليجدار أوغلو سنان أوغان بأنه لا يملك مبدأ وموقف لأن الأخير طلب من ناخبيه دعم تحالف الجمهور. هناك قول مأثور يعبر عن ذلك "يرتكب نفس الخطأ أثناء انتقاده للآخرين".

أدلى كمال كيليجدار أوغلو بخطاب قومي في الجولة الثانية، وأطلق شعارات "سنرسل السوريين" ورسم إشارة الذئب الرمادي من أجل جذب أصوات تحالف الأجداد. الاتفاق الذي وقعه كليجدار أوغلو مع حزب الظفر أغضب حزب الشعوب الديمقراطي، وبذلك تكون قد ظهرت مشكلة في مكان بينما يحاول الترقيع بمكان آخر. هذا يشبه مشاهدة مسرحية فودفيل السياسية. فهو يتحدث عن كونه صاحب مبادئ وأخلاق وهو يمارس أفعالا بعيدة كل البعد عن الأخلاق. وهناك أيضًا من يصمت. ما الشيء الذي يمكنهم فعله إذا لم يصمتوا؟ فأحزابهم صغيرة في التحالف، ولكنهم نجحوا في الحصول على مقاعد في البرلمان التركي على الرغم من أنهم لا يستحقون ذلك. أحد مقولات ما بعد الحداثة تقول صحيح أنه صغير ووديع ولكنه يلدغ، فلا تنظر إليه على أنه صغير إنه المكان المناسب للشر لأنه يأخذ زمام المبادرة بشكل مباغت.







#الطاولة السداسية
#تجالف الجمهور
#أوميت أوزداغ
#سنان أوغان
#كليجدا أوغلو
1 عام قبل
الصغير الوديع
تصريحات الملكة رانيا
رسالة حزب العدالة والتنمية.. من سيواصل حمل رايتها؟
رغم اشتداد عزلة إسرائيل.. الحقيقة التي ترفض ستاربكس إعلانها
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك