|
برنامج رمضان (1)

تتواجد في فطرة الإنسان قوتان متعارضتان تتنافسان باستمرار. فمن ناحية، يسعى الإنسان وراء أحلامه وطموحاته التي لا تنتهي، وهو ما يعرف في التراث التركي ب "طول الأمل". ومن ناحية أخرى، يفتقر الإنسان إلى الصبر ويعاني من التسرع وعدم القدرة على التخطيط حتى ليومه. وبينما تدفعه رغباته اللامحدودة إلى العمل الدؤوب والسعي الدائم في الحياة، يعيق التسرع وعدم الصبر قدرته على التركيز على أهدافه بشكل كاف. ويكمن مفتاح النجاح في إيجاد توازن بين هذين القطبين المتضادين. فمن خلال تحقيق التوازن، يمكن للإنسان تكوين شخصية متسقة، وتحقيق إنجازات دائمة، وترك أثر بارز، وفتح آفاق جديدة. فإيجاد التوازن بين الأمل والواقع أحد أهم اختباراتنا في الحياة.


يشكل تركيبنا الفطري عائقا أمام رحلة القراءة، خاصة عندما نتحدث عن شغف القراءة. فنحن نسعى لقراءة كمية هائلة من الكتب، وننفق أموالنا على شرائها، وننشئ المكتبات، ونحيط أنفسنا بالكتب من جميع الجهات.

ولكن في خضم تنقلنا بين الكتب، نعاني من صعوبة في إيجاد ما يناسب رغباتنا، ونرى عدد الكتب يزداد بينما تراقبنا الكتب التي لم نقرأها على مكاتبنا ورفوف مكتباتنا بحزن وأسى.

كيف نحقق التوازن في هذا المجال؟ كيف نصل إلى الاستقرار في رحلة القراءة؟ وكيف نوازن بين طموحاتنا اللامحدودة وقلة صبرنا؟ كيف نطبق فعالية القراءة التي لا جدال في فوائدها بأفضل طريقة ممكنة؟


في إجابة على هذه التساؤلات، أود تسليط الضوء على بعض النقاط المتعلقة بأصول وطبيعة القراءة:

يجب علينا بداية تقبل حقيقة أننا لن نستطيع قراءة جميع الكتب المنشورة خلال حياتنا وأن نرسخ ذلك في أزهاننا. فحتى لو امتد عمرنا لـ 200 عام، وقضيناه في القراءة دون انقطاع، مع تخصيص وقت للعبادة فقط، فلن نتمكن من قراءة كل ما تم تأليفه ونشره. إن تقبل هذه الحقيقة بروح هادئة سيساعدنا على النظر إلى الكتب والمؤلفات بمنظور أكثر واقعية.

يعاني الكثيرون ولا سيما "هواة القراءة" من عدم القدرة على تحقيق هذا التوازن، مما يعرضهم لضغط نفسي طوال حياتهم لأنه أشبه بسباق لا يمنكهم الفوز به. إن الإقرار بحقيقة أننا سنظل عاجزين عن استيعاب كل المعرفة والعلم والثقافة، هو أحد أسرار الحياة.


يجب أن نحرص على عدم تحويل شراء الكتب وجمعها إلى هوس مرضي. ويكمن حل هذه المشكلة في الاعتياد على مشاركة الكتب مع الأشخاص المهتمين، فكل ما يُجمع ويُكدس دون مشاركة، حتى لو كان كتبا، يؤدي إلى شعور بالضيق في النفس بعد فترة. وتصبح الأشياء التي لا تتم مشاركتها مصدر إزعاج مع مرور الوقت. والإنفاق أمر موصى به لتخفيف عبء الروح وإعادة الأشياء إلى نصابها. والكتب من الأشياء التي يجب علينا إنفاقها. فمشاركة الكتب التي لم نطالعها أو استفدنا منها أو لم تعد تثير اهتمامنا مع الآخرين سوف تساعدنا على بناء علاقة أكثر توازنا وفطرية مع الكتب.


يجب تصنيف الكتب إلى "كتب تثير اهتمامنا" و "كتب لا تثير اهتمامنا". يجب أن نركز على مجالات اهتمامنا، مع الأخذ بعين الاعتبار قصر حياتنا. فالأشخاص الذين يقرؤون كل ما يقع في أيديهم دون تخطيط أو تنظيم، يشبهون الأشخاص الذين يتناولون الوجبات السريعة. وعلى عكس ما هو متوقع تؤدي القراءة غير المنظمة وغير المخطط لها إلى طمس الفكر والقلب

كما هو الحال في جميع الأمور، فإن تحديد أهداف ملموسة ونتائج عملية وخطة عمل منظمة أمر بالغ الأهمية في القراءة. وقد يفقد الشخص الذي يبدأ القراءة دون تخطيط، وجهته وسط كم هائل من المعلومات.


يجب أن نتذكر أن القراءة نشاط مستمر، ونخصص 30 دقيقة على الأقل كل يوم للقراءة بشكل منتظم وثابت. ينطبق حديث "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" على القراءة أيضا. لن نتمكن من توسيع آفاقنا ما لم نخصص وقتا ثابتا للقراءة كل يوم، دون استثناء للأعياد أو الإجازات. ويُعدُّ البحث عن وقت هادئ للقراءة مبررا شائعا في عصرنا، لكن يجب أن ندرك أن مثل هذا الوقت قد لا يأتي أبدا، وأنه يجب علينا خلق الوقت للقراءة من خلال تنظيم وقتنا.


وأخيرا لجعل ما قرأناه راسخا في أذهاننا، يجب مشاركته مع الآخرين. يمكن تحقيق ذلك من خلال كتابة ملخصات للكتب، أو تأليف مقالات قصيرة أو نقدية، أو مناقشة المحتوى مع مجموعات الأصدقاء، أو استخدام المعلومات في نصوص أخرى. فمشاركة ما قرأناه تساعدنا على تطوير أنفسنا وتفيد من حولنا. كما أن تطبيق المعرفة المكتسبة في حياتنا هو أقصر طريق لجعل المعلومات راسخة في أذهاننا.

أما بالنسبة لسؤال "ما الذي يجب أن نقرأه؟"، فسنناقشه في الجزء الثاني من هذا المقال تحت عنوان "برنامج رمضان - الجزء الثاني".

#القراءة
#الكتب
#الأحلام
#الطموحات
#الصبر
#هواة القراءة
#المشاركة
2 ay önce
برنامج رمضان (1)
عالم يمني في إسطنبول.. الشيخ عبد المجيد الزنداني
الشهداء الثلاثة عشر
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية