|
هل تضع الولايات المتحدة تنظيمَ "بي كي كي" الإرهابي على طاولة المفاوضات؟

في مقالي السابق، أشرت إلى أن نقاشات انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة قد تستعيد زخمها. وهذا أمر بالغ الأهمية، ولذلك دعونا نتابع من حيث توقفنا.

لنبدأ أولا بتلخيص المشهد الحالي:

أولا: الولايات المتحدة تحدد مسارها: ترى إدارة بايدن أن خوض حربين في آن واحد (روسيا/الشرق الأوسط والصين) أمر غير ممكن عمليا. وقد نجحت الولايات المتحدة في إضعاف روسيا من ناحية الأرض والطاقة في أوكرانيا. ولذلك، لا ترغب في أن تواجه مصيرا مشابها في الشرق الأوسط. فقد لاحظت محاولاتِ إيران وإسرائيل لجرها إلى حرب في المنطقة. ولذلك حرصت على البقاء بعيدة عن الصراع. لأن تركيزها الآن منصب على منطقة آسيا البعيدة.

ثانياً: ازدياد نفوذ ترامب في السياسة الداخلية الأمريكية: في حال فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة مرة أخرى، فمن المؤكد أن التوتر مع الصين سيزداد بشكل كبير. كما أن أفكار ترامب حول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي معروفة للجميع. فهو يقلل من أهمية الاتحاد الأوروبي، ويقلل من شأن القادة الأوروبيين، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد صرح مستشار ترامب السابق جون بولتون أن ترامب يفكر في الانسحاب من حلف الناتو.


سعي الاتحاد الأوروبي إلى الاستقلال الاستراتيجي

ثالثا: الاتحاد الأوروبي يستعد -بجدية غريبة- لحرب محتملة مع روسيا. ويخشى أن يُترك وحيدا في مواجهة روسيا. وقد صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن "أوروبا لا يجب أن تعتمد على الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا". وأضاف ملمحا: "سنرسل جنودا إلى أوكرانيا إذا لزم الأمر".

رابعا: يسعى الاتحاد الأوروبي إلى فصل سياسته الأمنية عن سياسة الولايات المتحدة، وتحقيق "الاستقلال الاستراتيجي".ولكنه يعاني من ضعف كبير في البنية التحتية العسكرية. لذلك يرى الاتحاد أن أمنه يجب أن يؤمَّن من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سواء بقيت الولايات المتحدة عضوا فيه أم لا. وهكذا، سيحافظ الاتحاد على وجود قوتين عسكريتين هامتين داخل الحلف، هما بريطانيا وتركيا. ويعد قبول تركيا في مشروع "درع السماء الأوروبية" بشكل مفاجئ في الأيام الماضية نتاجَ هذه الرؤية. وهذه عملية تدعمها الولايات المتحدة أيضا، بينما تستبعد فرنسا منها.


الدور المرسوم للرياض

خامسا: إذا رغبت الولايات المتحدة في تركيز طاقتها على منطقة الشرق الأقصى وتقليص وجودها في الشرق الأوسط، فعليها القيام بأمرين:

الأول: ضمان أمن إسرائيل، كما أوضحنا ذلك في مقالنا السابق: "بشرط واحد.. الولايات المتحدة تلوح بالانسحاب من المنطقة" 3 شباط.

الثاني: احتواء إيران. ولضمان أمن إسرائيل، تخطط الولايات المتحدة لحل مسألة غزة لصالح إسرائيل وإضفاء الطابع المؤسسي على هذا الحل، رغم أن ذلك يبدو متناقضا مع موقف نتنياهو. والأهم من ذلك أنها تريد تحقيق ذلك بالتعاون مع دول الخليج، وصولا إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

وتلعب المملكة العربية السعودية دورا محوريا في خطة الولايات المتحدة للشرق الأوسط. ولذلك تسعى واشنطن إلى إقناع الرياض من خلال توقيع اتفاقية الأمن والتعاون التي كانت قد ماطلت في توقيعها سابقا. وتخطط الولايات المتحدة أيضا لتصدير التكنولوجيا النووية إلى السعودية كجزء من هذه الخطة. وتعتقد أن مجموعة الاتصال التي تضم سبعة دول، والتي تعد تركيا من مؤسسيها، يمكن أن تلعب دورا هاما في هذه العملية.


ما الذي تتوقعه واشنطن من أنقرة؟

في ضوء كل هذه الحقائق، كيف تنظر الولايات المتحدة إلى تركيا؟

إن انضمام تركيا إلى مشروع "درع السماء الأوروبية" بشكل مفاجئ يعطي فكرة عن هذه القضية. ويبدو أن الولايات المتحدة بحاجة إلى وجود تركيا لضمان أمن أوروبا. فالولايات المتحدة تتوقع من تركيا أن تحافظ على علاقاتها القوية مع دول الخليج. وإذا وافقت المملكة العربية السعودية على لعب هذا الدور، فإن واشنطن تريد من أنقرة أن لا تعرقل هذه العملية.


هل هذا عرض؟ نعم. حسنا إذن هل هو اتفاق؟ لا، ليس اتفاقا.

لأن الولايات المتحدة لا تزال تدعم تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. ولكن يبدو أن الولايات المتحدة ستضع هذا التنظيم على طاولة المفاوضات. وهذا ما تمليه الظروف الحالية واحتياجات واشنطن.

إن صح هذا الاستنتاج فمن المتوقع أن تقول الولايات المتحدة لتركيا في المستقبل القريب ما يلي:

1. قاتلوا داعش في سوريا.

2. سيطروا على مخيم الهول الذي يقيم فيه عناصر داعش وعائلاتهم.

3. ادعموا اندماج تنظيم "واي بي جي" مع نظام الأسد.

4. اسمحوا بوجود "واي بي جي/بي كي كي" في منطقة دير الزور النفطية.

وفي المقابل، ستتوقف تنظيم "واي بي جي/بي كي كي" الإرهابي عن تهديد تركيا.


الجانب المظلم بات مكشوفا

عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، يبحث الكثيرون - بحق - عن ثغرات في موقفها. فمن المعروف أن الولايات المتحدة ليست جديرة بالثقة. ويعتقد البعض أن إدارة بايدن تتلاعب بالرأي العام الأمريكي من خلال التلويح بالانسحاب من المنطقة، بهدف إسكات صوت ترامب. بينما يرى آخرون أن الدبلوماسية الأمريكية ترغب في الانسحاب من المنطقة، لكن القرار النهائي بيد الجيش. ولا تظنوا أن "الديمقراطية" هي من تحدد مسار الأمور هناك. فقد أصدر ترامب سابقا أمرا بالانسحاب من سوريا، لكن الجنرالات قاوموا ذلك. ولا تنسوا قول رئيسة وزراء بريطانيا السابقة ليز تراس: "خلال العقود الثلاثة الماضية، انتقلت السلطة في بريطانيا من المنتخبين إلى "الكوانغو". وهذا ما تسمونه في الولايات المتحدة بـ "الدولة العميقة".


الحراك العسكري في شمال العراق

بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة، تتخذ أنقرة خطوات قوية في مكافحة الإرهاب. فتتبع العمليات العسكرية والاستخبارية بالعمل الدبلوماسي. وبعد المباحثات المكثفة بين أنقرة وبغداد، إليكم خبر تم نشره في الصحف بالأمس: "أعلنت وزارة الداخلية العراقية نشر قوات حرس الحدود في قضاء العمادية في دهوك وقد ندد تنظيم "بي كي كي" الإرهابي بالحكومة العراقية، واصفاً نشر الوحدات في المنطقة بأنه "لعبة من قبل بعض القوى".

أعتقد أن هذه القضية ستشهد تطورات أخرى في الأيام القادمة، وسأستمر في متابعة العملية.


تحذير هام للصناعات الدفاعية التركية

شهدت الصناعات الدفاعية التركية في السنوات الأخيرة قفزة نوعية هائلة. وهذا بفضل "القفزة التكنولوجية الوطنية" التي أرست دعائمها. وتعد نجاحات الطائرات المسيرة التركية خير دليل على ذلك. فقد قرأت في صحيفة "يني شفق" أن تركيا تمتلك ثالث أكبر أسطول من الطائرات المسيرة بعد الولايات المتحدة والصين. وبينما نشيد بإنجاز "بيرقدار قزل إلما"، شاهدنا المقاتلة التركية الوطنية "قآن" في سماء الوطن. وبينما كنا نحلل هذا الإنجاز، أعلن الرئيس أردوغان عن بناء حاملة طائرات جديدة. وبحسب معلوماتي تجري حاليا دراسات هندسية وتصميمية، مع التركيز على خمسة خيارات مختلفة للمنصات ذات أطوال مختلفة. ما هو واضح حتى الآن هو أن هذه السفينة ستكون أطول من سفينة "تي سي جي أناضول"، وستستخدم طائرات من الجيل الجديد بما في ذلك "قآن".

كل شيء رائع، لكن هناك مشكلة واحدة. فالنجاح الذي حققته الصناعة الدفاعية التركية يلفت انتباه الدول الأخرى أيضا. وتسعى بعض العواصم إلى جذب الكوادر البشرية التي ساهمت في هذا النجاح إلى بلدانها لتحقيق إنتاجها الخاص. ويقال إن العديد من العاملين في الصناعة الدفاعية، سواء في القطاع الخاص أو العام، يتلقون عروضا مغرية من حيث الرواتب مع دعوات للعمل في تلك الدول. وهذا يشكل خطرا على الصناعة الدفاعية التركية، ويجب اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته.

#بي كي كي
#الولايات المتحدة
#تركيا
#"واي بي جي" الإرهابي
#الصناعات الدفاعية التركية
#الاتحاد الأوروبي
٪d أشهر قبل
هل تضع الولايات المتحدة تنظيمَ "بي كي كي" الإرهابي على طاولة المفاوضات؟
تصريحات الملكة رانيا
رسالة حزب العدالة والتنمية.. من سيواصل حمل رايتها؟
رغم اشتداد عزلة إسرائيل.. الحقيقة التي ترفض ستاربكس إعلانها
انهيار متسارع للعملات الأجنبية.. 15 مليار دولار في أسبوع واحد
الرأسمالية تبنى على العقل لكنها تقوم على الإدراك