|
"الكرملينولوجيا" و"البكينولوجيا"

ذكرنا من قبل أن عيون العالم تتجه نحو المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، والمزمع عقده في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وبالطبع، هذا المؤتمر يحمل أهمية بالغة من حيث مسار الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وكلتا السلطتين لها أنظمة إدارية وأيديولوجيات مختلفة. ويقع مسار العالم تحت رهن التنافس الوجودي القائم بين هاتين القوتين العظميين.

ويحكم "الحزب الشيوعي الصيني" الصين منذ عام 1949. ومن المتوقع أن يخرج مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني بقرارات مهمة حول خارطة طريق بكين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يدير الحزب الشيوعي الصيني عدد سكان يبلغ تعدادهم مليار و400 مليون نسمة؟ ويتجاوز عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني 95 مليون عضو.

وتتكون اللجنة المركزية للحزب من 376 شخصًا، ويتألف المكتب السياسي من 25 شخصًا، فيما تتألف اللجنة الدائمة للمكتب السياسي من 7 أشخاص. وفي قمة الهرم السياسي يتربع الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، الرئيس الصيني، شي جين بينغ. أما عن جيش التحرير الشعبي فهو يمثل الجناح العسكري للحزب الشيوعي الصيني.

ولإعطاء فكرة أوسع حول تعداد سكان المقاطعات الصينية، فإن غوانغدونغ، تعد أكبر مقاطعة صينية، ويبلغ تعداد سكانها 126 مليون نسمة، وفيما يبلغ تعداد سكان شاندونغ 102 مليون، وخنان 99 مليون، وجيانغسو 85 مليون، وسيشوان 84 مليون. ويقترب الناتج المحلي الإجمالي لمقاطعة غوانغدونغ من 2 تريليون دولار. وإذا كانت كل مقاطعة صينية تمثل دولة، فإن جميع الحسابات في التصنيف العالمي من حيث عدد السكان والاقتصاد ستتغير حتمًا.

وقد قال نابليون بونابرت: "دع الصين تنام، لأنها عندما تستيقظ ستهز العالم". وقد استيقظت الصين وجميع النخب الغربية تتحدث عن الصين الصاعدة. ووفقًا للاستراتيجيين الغربيين، فإن صعود الصين هو المكافئ الجيوسياسي لذوبان القمم الجليدية القطبية.

وقد نهضت الصين بالفعل. وتكمن مشكلة الولايات المتحدة في احتواء صعود الصين إلى الحد الذي يجعلها تدير فيه عجلات النظام العالمي. وبعبارة أخرى، تريد الولايات المتحدة منع تصاعد الصين المتزايد.

ويكمن مفتاح فهم الصين في فك رموز الحزب الشيوعي الصيني. إن فك رموز كتاب لعبة الحزب الشيوعي الصيني ليس بالمهمة السهلة. وإبان الحرب الباردة القديمة، كانت أنظار الأمريكيين تتوجه صوب "قصر الكرملين" بالعاصمة الروسية موسكو، باعتباره مركز الاتحاد السوفيتي. وكانوا يبحثون عن إجابات لأسئلة مثل: "من يقترب ممن؟"، و"من الذي يمثل الصقر، ومن الذي يمثل الحمامة؟" و"هل هناك تحزب فيما بين النخبة الحاكمة؟" لدرجة أن موضع جلوس الأشخاص على طاولة اجتماعات الزعيم كان له أهمية بالغة. ومن أجل فك رموز الكرملين، كان يتم متابعة كل خبر وكل عبارة وكل جملة بعناية فائقة، وأجريت العديد من التحليلات حول المعاني المخفية بين السطور. وكان فهم الفرق بين الحقيقة والدعاية أيضًا يتطلب مسعى متخصصًا.

ولم يكن معرفة ما يحدث داخل قصر الكرملين وكيف يحدث الشغل الشاغل للجواسيس فحسب، بل كان موضع اهتمام المثقفين والعلماء أيضًا، ما أدى إلى انطلاق فكرة "علم الكرملين/الكرملينولوجيا" (نسبة إلى الكرملين، وهو علم يختص بدراسة السياسة الروسية وتحليلها). وبسبب تفكك "الاتحاد السوفيتي" ونهاية "الحرب الباردة"، احتل "علم الكرملين" مكانه بين المهن المفقودة. والآن، حل"البكينولوجيا" محل "الكرملينولوجيا".

ويشير الباحثون والمحللون والاستراتيجيون إلى "البكينولوجيا" على أنه فن دراسة السياسة الصينية وفهمها ومتابعتها. والأسئلة التي طُرحت حول الكرملين تُطرح الآن على بكين.

وقد تحول الاقتصاد إلى آسيا، وتمثل الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتدفع هذه الجغرافيا السياسية للتحولات، القوى الموجودة داخل النظام العالمي لاتخاذ مواقف مختلفة. وقد دخلت الصين بالفعل في رادار الدوائر المالية اقتصاديًا.

وفي هذا السياق، يلعب "علم دراسة الصين/البكينولوجيا" أيضًا دورًا "استشاريًا". ولهذا السبب، أصبح فهم كيفية حكم الصين وإدارتها أكثر أهمية من أي وقت مضى. والبكينولوجيا أيضا هي دراسة السلوك السياسي للسلطة التي تحكم الصين. ومن المهم أيضًا معرفة الميول الفكرية للنخبة السياسية الصينية. ومن ناحية أخرى، يبدو أن النخب السياسية الصينية توصف بـ "المصلحون" و"اليسار الجديد" و"الكونفوشيوسيون".

وكانت الصين أيضًا عنوانًا غامضًا خلال حقبة الحرب الباردة القديمة. وبالنسبة للنخبة الغربية، كانت الصين مسعى جذابًا للغاية. ولكن خلال هذه الفترة، لعبت الصين دورًا مختلفًا. وقد أدى صعود الصين المتزايد وتحولها إلى منافس وجودي لأمريكا إلى ظهور فكرة "البكينولوجيا الجديدة".

وبمساعدة تقنية الذكاء الاصطناعي، تقوم "البكينولوجيا الجديدة"بالبحث والتدقيق في نصوص البيانات. والهدف هو فك شفرة الإدارة الصينية. وبالطبع، تشمل البكينولوجيا الجديدة دراسة الثقافة والأيديولوجيا الصينية.

وقد كان "الكرملينولوجيا" نتاج الحرب الباردة القديمة. أما البكينولوجيا فهي نتاج "الحرب الباردة الجديدة". ومن ناحية أخرى، فإن معرفة الصين "كما هي" هي طريقة لإجراء تحليل جيد. وبالطبع، قد لا يؤدي التحليل الجيد بالضرورة إلى سياسة جيدة، في حين أن التحليل السيئ يؤدي بالتأكيد إلى سياسة سيئة.

#عبدالله مراد أوغلو
2 yıl önce
"الكرملينولوجيا" و"البكينولوجيا"
وسائل التواصل الاجتماعي تُساهم في إنقاذ ترامب
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية