|
انعطافات حادة في السياسة الخارجية
لا تستخفوا بالأمر، فأزمة التأشيرات مع الولايات المتحدة تعتبر أخطر أزمة دبلوماسية مع تركيا منذ سنوات. فهذا تطوّر لم يسبق له مثيل بين دولتين حليفتين وعضوين في حلف الناتو. لقد دخلنا في منعطف حاد وخطير.


لم نخرج بعد من منعطف أزمة بارزاني الحاد. وفي الوقت الذي لا يزال التوتر والضغط الناتج عن تلك الأزمة يسيطر علينا أقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطوة التي وضعتنا في موقف لا نحسد عليه. فعلت واشنطن ما لم تفعله مع روسيا وإيران والصين، فهذا أمر غير قابل للتصديق. إنها هجمة لا يمكن أن نصفها إلا بأنها "عقوبة" لا تطبق إلا على الخصوم، بيد أنّ الولايات المتحدة ليست حليفة لأحد من الأساس.


كانت خصمًا لنا فأعلنت خصومتها

إن حقيقة الأمر هي أن واشنطن أعلنت أمام العالم للمرة الأولى موقفها العدائي المستمر منذ فترة طويلة. لقد كنا دائما في معسكرين مختلفين بشكل رسمي في العراق وسوريا، ولهذا فقد قابلنا مواقف خصومية رسمية. وفي الواقع لا يمكن أن نتخذ حليفا من بلد أمدت المنطقة الجنوبية من حدودنا بثلاثة آلاف من شاحنات السلاح وأرادت تأسيس دويلة بعد تسليح تنظيمي بي كا كا / بي يي دي الإرهابيين.


لكننا حليفان على الورق، عضوان بالناتو، لدينا علاقات تجارية وسياسية وعسكرية مشتركة. فإذا كان الأمر كذلك فإننا نطلق على ما فعلته واشنطن "إسفين الصديق"، فهذا هو الاسم المناسب، وإن لم يكن اسما دبلوماسيا. وفي الحقيقة فإن جميع قواعد الدبلوماسية انلقبت حول العالم رأسا على عقب منذ فترة طويلة، وأصبحت جميع النظريات التقليدية على وشك الانهيار. كانت كل دولة تضرب الأخرى من تحت الطاولة، ولم يكن أحد يريد الكشف عن الحرب بالوكالة وعملياته السرية.


هل كان "موظف اتصال" محاولة الانقلاب؟

أقدمت واشنطن على خطوة أخرى إلى الأمام ونفذت هجوما عدائيا بشكل علني. وبهذه الطريقة أدرك العالم أجمع أن هناك أزمة خطيرة بيننا وبين الولايات المتحدة. بالأحرى رأى ذلك بشكل علني، والسبب هو "موظف اتصال". وبطبيعة الحال عندما يظهر الرجل أمامنا على أنه موظف محلي لا يستطيع أن يكون تحت الحماية الدبلوماسية، يصبح الأمر عاديا بالنسبة لنا. لكن الحكومة التركية اتهمته بأنه "موظف اتصال" مرتبط بمحاولة الانقلاب الفاشلة. أعتقد أن خطورة الأمر اتضحت الآن.


لقد كان رد فعل واشنطن على اعتقال "موظف"، وإن لم يكن له حصانة دبلوماسية، وكأن أحدا قد مس كبرياء "الدولة العظمى". كان هذا ما نقله وزير الخارجية الأمريكي من مشاعر عندما اتصل بنظيره التركي. فهو علىل سبيل المثال لم يعبر عن انزعاجه من العملية التي بدأنا في إدلب إلى هذه الدرجة. لكن كل "عنصر" من عناصر "الدولة العظمى" مهم بالنسبة لها، لا سيما وإن كان هذا الشخص قد التقى مئات المرات مع من نسقوا محاولة الانقلاب، فهو يتمتع بأهمية أكبر.


هل كانت أزمة أخرى لتمر بسهولة؟

لقد لاحظت تركيا وجود هذا الشخص منذ فترة، وكانت وزارة الخارجية تريد تنسيق هذا الأمر بين القضاء والأمن وتحله قبل أن يتحول إلى أزمة كبيرة. كان هناك مشاكل متعلقة بتدفق المعلومات. وأعتقد أن الواقعة تسربت إلى وسائل الإعلام وحدث ما حدث. أظن أن هناك دبلوماسيين يعتقدون أن "موظف الاتصال" هذا لو كان قد ألقي القبض عليه متلبسا واستخدم كوسيلة للمساومة خلف الأبواب الموصدة لكان أكثر فائدة.


لقد انفجرت الأزمة على أي حال، وربما تكون تركيا ردت للمرة الأولى في تاريخها على الولايات المتحدة بهذا القدر من السرعة والقوة؛ إذ لم يشهد تاريخ الخارجية التركية قبل ذلك هذا التطبيق الحرفي لمبدأ "الرد بالمثل" في المجال الدبلوماسي. لكن لو لم تفعل تركيا هذا لكانت أضرت بخصائصها كدولة، ناهيكم عن أن تكون دولة كبرى. ولهذا فقد كان هذا الموقف موقفا محقا وفي محله للتعامل مع واقعة وصلت إلى هذه المرحلة.


يجب ألا يتسرب تأثير الواقعة إلى أمور أخرى

من المؤكد أن تأثير هذا القرار الخطير لن ينتقل فقط على سعر صرف الدولار أمريكي وارتفاعه أمام الليرة التركية، بل ربما يتسبب في حدوث مشاكل في عدة مجالات مثل الاقتصاد والسياسة والعلاقات العسكرية والاتفاقيات الثنائية. وإذا طالعتم مواقع التواصل الاجتماعي سترون من يسبنا لأننا لم نعلن الحرب. علينا أن نكون حذرين، فتعميق هذه الأزمة لن يصب في مصلحة تركيا.


يبدو أننا سنمر بمرحلة كتلك التي مررنا بها مع روسيا أيام أزمة إسقاط الطائرة الحربية. ولو تعمقت الأزمة لتشمل الأراضي السورية والعراقية فعلينا أن نستعد لأزمة ستستمر لفترة أطول. آمل ألا تنتقل الأزمة إلى مجالات أخرى.


علينا ألا ننسى كذلك أن ما فعلته الولايات المتحدة يعتبر تصرفا "سخيفا" فشلت في ضبط عياره حتى من خلال متوسط ذكائها الدبلوماسي. كان تصرفا سيئا وعديم الخبرة، لكننا نعيش الآن واحدة من نتائج انتشار تأثير الصراعات الداخلية في الولايات المتحدة والأزمات التي تعيشها بعد وصول ترامب إلى السلطة. فواشنطن تعيش حالة خطيرة من الفوضى أتمنى ألا تتسبب في المزيد من المصائب في العالم وخصوصا في منطقتنا.

#كمال أوزتورك
7 yıl önce
انعطافات حادة في السياسة الخارجية
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات