|
موقف "النهضة" التونسية
شهدت تونس، التي يشار إليها كثيرًا على أنها "الدولة الوحيدة في منطقة الربيع العربي التي تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي"، تشكيل 9 حكومات مختلفة منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي قبل 7 سنوات. لكن أيًّا من هذه الحكومات لم تنجح في حل المشاكل الاقتصادية التي أصبحت مزمنة. وإن كانت تونس قد توصلت العام الماضي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار في مقابل إجراء "إصلاحات اقتصادية جذرية"، فليس من الواضح إلى أيّ مدى يمكن لهذه الإصلاحات أن تكون علاجًا لآلام شعب منهك أصلًا. وإذا وضعنا في اعتبارنا أن وصفات صندوق النقد الدولي عادة ما تكون "أليمة"، سنجد أنه مستحيل أن تحلّ الحكومات المتعاقبة تلك المشاكل بهذه الطريقة.


إن وتيرة التحول التي أشعل شرارتها بائع متجول، دون قصد أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه، بعدما ضحى ببدنه إثر فقده آماله المادية والمعنوية، وصلت اليوم إلى نهاية طريق مسدود. بل يمكن القول إن "رحلة الثورة" التي انطلقت إليها تونس دون تخطيط أو إعداد أو حتى قائد، رجعت إلى المكان التي بدأت منه. فالجماهير العريضة نزلت إلى الشارع وهي تعلم – هذه المرة – مدى صعوبة التغيير وتعقيده.


ولامتصاص غضب الشعب، كان بن علي وزوجته المسرفة ليلى الطرابلسي، اللذان غادرا تونس مطلع عام 2011 ليستقر بها المقام في مدينة جدة السعودية، يخططان ربما للعودة إلى تونس بعد فترة قصيرة. فمن المحتمل أن يكون آل سعود، الذين دعوه للإقامة لديهم، قد ضمنوا له إمكانية العودة بعد "هدوء الأوضاع"، بل ربما تكون هذه الضمانة قد منحت نيابة عن واشنطن. وقد شهدنا سابقا كيف نجحت الرياض في إعادة معظم القادة المعزولين إلى بلادهم، عقب هدوء الأوضاع السياسية، مثلما حدث مع نواز شريف، بعدما استضافتهم على أراضيها عقب الإطاحة بهم، حتى أن أولئك الزعماء استطاعوا – بفضل هذه الخطوة – الصعود من جديد إلى المناصب العليا من خلال حكومات جديدة. لكن هذه اللعبة لم تنجح في الحالة التونسية.


كانت حركة النهضة، بزعامة راشد الغنوشي الذي عاش في المنفى في بريطانيا لنحو عقدين، قد وصلت إلى السلطة بعد انتخابات ديمقراطية عام 2011 وظلت بها لفترة، لكنها تراجعت إلى الوراء سريعا بعدما ساءت الأوضاع الاقتصادية وبدأت الاغتيالات السياسية. ولم يكن هناك أدنى شك أن الغنوشي ورفاقه كانوا يتابعون عن كثب تجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر في تلك الأثناء، وحينها أدرك الغنوشي جيدا أنه لو قاوم من أجل البقاء في السلطة فإنه سيفقد كل شيء، فأعطى الضوء الأخضر لإجراء انتخابات جديدة.


وكانت الانتخابات الأولى التي شارك بها حزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الحالي السبسي، بمثابة راحة نفسية لحزب النهضة؛ إذ كانت أكثر الحيل السياسية عقلانية في ظروف تونس هي ضمان انضمام شخصيات معروفة بعلمانياتها إلى الحكومة ومشاركتها في تحمل المسؤولية بدلا من أن تتحمل النهضة بمفردها حمل دولة تحولت إلى أطلال، وبالتالي تدفن أسفل تلك الأطلال. وما أعقب ذلك من زيادة حالات الاغتيال السياسي وسكون البلد لمدة لم يكن بطبيعة الحال مفاجأة أو مصادفة.


لقد أدت هذه الخطوات السياسية إلى امتداح الغنوشي وانتقاده في الوقت ذاته، وأفضت إلى تهدئة الأوضاع في تونس لفترة، لكنها ظهور حقائق الحياة المرة على الساحة من جديد لم يستغرق وقتا طويلا. ذلك أن الديمقراطية لم تكن تشبع بطون الناس؛ إذ لم يغير كون تونس "حكاية النجاح الديمقراطي الوحيدة بين حكايات الربيع العربي" شيئا في حياة المواطن التونسي البسيط واحتياجاته. وربما اعتبر النظام العالمي تنصيب السبسي، الذي كان من الوزراء الذي فرضوا العلمانية الفرنسية بالقوة على الشعب أيام بورقيبة، رئيسا للجمهورية "ضمانة"، لكن ذلك لم يكن ليمنع الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وما صاحب ذلك من ظهور أجنحة مسلحة وحدوث هجمات إرهابية.


لدينا مقال مثير بشأن كيف تنظر جبهة النهضة إلى الأحداث الأخيرة. فقد حللت سمية ابنة راشد الغنوشي الاحتجاجات التي تشهدها تونس في مقال كتبته لموقع "عربي 21" الإلكتروني. ويمكن اعتبار المعلومات التي سردتها سمية في مقالها الرأي الرسمي لوالدها وحزبه إذا ما علمنا أنها تشغل في الوقت نفسه منصب المستشار السياسي لوالدها وأحد الكوادر الإدارية في حركة النهضة.


وأوضحت سمية الغنوشي في مقالها أن تونس تمر بأزمة اقتصادية خانقة جعلت الشعب في حالة يرثى لها، مشددة على ضرورة حل تلك المشاكل. وأضافت أن أحدا لا يملك تركيبة إعجازية بإمكانها القضاء على مشاكل تونس في غمضة عين، كما دعت جميع أطياف الشعب للتعاون من أجل إيجاد حل.


وأما أكثر أجزاء المقال لفتا للانتباه فكانت العبارات التي استخدمتها للتعبير عن أن الأحداث الأخيرة ربما تكون مؤامرة من جانب "بعض دول الخليج"؛ إذ قالت "لا يمكن تفسير كل شيء بربطه بالمؤامرات الخارجية، لكن لا يمكن إنكار أن بعض الدول الخليجية تقود حملة لتنفيذ إستراتيجية إقليمية تهدف للقضاء على وتيرة التغير التي تشهدها تونس". وأنهت الغنوشي مقالها بالتأكيد أن إفشال هذه الإستراتيجية مربوط بإيجاد حلول عاجلة للمشاكل الاقتصادية في تونس.


يتحمل راشد الغنوشي وفريقه مسؤولية إراحة الشعب في مواجهة المشاكل الحياتية، لا سيما وأن المجتمع يكن له كل احترام بفضل علمه وكاريزمته وتاريخه السياسي. وإذا فشل في ذلك، فمن المؤكد أن "ظاهرة الغنوشي" ستندثر، بل يمكن القول إن استمرار حركة النهضة في العمل السياسي من عدمه بعد الغنوشي أمر متعلق بهذا التطور. 

#التونسية
6 yıl önce
موقف "النهضة" التونسية
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة