|
الرجل الثاني

أخيرًا توفيّ نائب صدام حسين ويده اليمنى، عزت إبراهيم الدوري. نقول "أخيرًا"، لأننا شهدنا ما لا يقل عن 4 شائعات قوية حول وفاته قبل وفاته الحقيقية مؤخرًا، كانت تدفعه للخروج إما عن طريق الفيديو أو الصوت، ليؤكد على أنه لا يزال على قيد الحياة. وأخيرًا أعلن حزب البعث في العراق ببيان رسمي يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عن وفاة الدوري، وبعد مراسم جنازة بسيطة تم دفنه بهدوء وصمت في محافظة صلاح الدين. وبوفاة الدوري أحيلت قضية أحد أبرز الشخصيات في تاريخ العراق الحديث، إلى "المحكمة العليا" في السماء.

ولد عزت الدوري في بلدة "دور" بمحافظة تكريت عام 1942، لأب فلاح فقير. انضم لصفوف حزب البعث في العراق منذ مقتبل عمره، مع رفيقه المقرب صدام حسين. وبينما أطاح الضباط القوميون بالنظام الملكي الهاشمي المدعوم من بريطانيا عام 1958، استولى حزب البعث على إدارة البلاد عام 1963، وبينما كان أحمد حسن بكر قد أحكم السيطرة على مفاصل الحزب عام 1968 نتيجة حسابات داخلية، تمكن صدام حسين في عام 1979 من الانقلاب على صديقه حسن بكر ومن ثم تولى زمام السلطة في البلاد منهيًا عهد الانقلابات.

كان عزت الدوري إلى جانب صدام في جميع تلك المراحل والمنعطفات الحرجة. وكمكافأة على تلك الصداقة والإخلاص، تم تعيين الدوري وزيرًا للداخلية ثم الزراعة في سبيعينات القرن الماضي، إلا أنه حينما تولى صدام حسين زمام الحكم بشكل كامل عام 1979، تم تعيينه نائبًا للرئيس ورئيس مجلس قيادة الثورة في البلاد. وقد ظلّ الدوري على ذلك حتى احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

اشتهر عزت الدوري بأنه لم يقل يومًا ما كلمة "لا" للرئيس العراقي صدام حسين، كما حمل لقب "الرجل الثاني في العراق"، وشارك في حكم العراق لعقود، ومن الطبيعي أن يكون له سجل حافل في شتى المراحل التي شهدتها البلاد. لعب الدوري دورًا حاسمًا على الدوام في القمع القاسي لجميع أنواع الانتفاضات ضد حكومة البعث في العراق. كما كان الشخص الذي أمر بتنفيذ "مجزرة الكيماوي" في بلدة حلبجة الكردية شمال بغداد، في 16 مارس/آذار عام 1988. هو نفسه أيضًا الذي تصدر المشهد في قمع تمرد العرب الشيعة عام 1991، ولم يتردد في إظهار القبضة الحديدية لنظام عبر أقسى الطرق والأشكال.

يقول الدوري في مقابلة عام 2016، "لقد كان غزونا للكويت خطأ أخلاقيّا منّا. وكانت مطالبتنا بحقنا في الكويت أمرًا خائطًا أيضًا. فالكويت ليست جزءًا من العراق"، كانت تصريحاته حينها محاولة تكفير عن الخطأ الذي وقع وانتهى الأمر. بينما الدوري ذاته لم يمتنع خلال اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في العاصمة القطرية الدوحة 5 مارس/آذار 2003 أي قبيل احتلال العراق بوقت وجيز، من إهانة المندوب الكويتي آنذاك، قائلًا له "اخرس أيها العميل الأمريكي، قرد".

أما بعد غزو واحتلال العراق عام 2003، تصدّر الدوري مرة أخرى على المشهد ليحارب ضمن ما وصفها بحرب الاستقلال. وساهم في خلق قوة ضاربة شكلها من كوادر حزب البعث، والضابط الفارين من الجيش العراقي المنحل، ومجموعات من الطريقة النقشبندية التي تنتمي لها عائلته، فضلًا عن مواطنين عاديين أيضًا.

ولقد نفذت هذه القوة الضاربة التي عُرفت باسم جيش الطريقة النقشبندية، عمليات مختلفة شمالي البلاد ضد قوات الاحتلال. لكن حينما ظهرت داعش عام 2013، لوحظ أن العديد من عناصر هذا الجيش قد غير صفوفه. حتى قيل أن الدوري ذاته قد لعب دورًا في قيام تنظيم داعش، وعلى الرغم من أن الدوري ينفي باستمرار تلك المزاعم، إلا أن بعض الأسماء القريبة منه ظهرت في صفوف داعش.

لقد أثار خبر وفاة الدوري كما كان متوقعًا موجة فرح كبيرة بين الأكراد والشيعة في العراق. كما لم يكن عدد أولئك الذين أحزنهم رحيل الدوري ضئيلًا على الإطلاق. حيث وصفه البعض بالبطل والمناضل ضد الاحتلال والرجل الوطني، لا سيما من أصحاب الطريقة النقشبندية. وبعبارة أخرى، كانت ردود الفعل على وفاة الدوري ليست ببعيدة عن ردود الفعل حينما رحل صدام حسين.

القارئ الذي قرأ المقال حتى هنا، ربما يتفاجأ بشكل خاص من العلاقة بين الطريقة النقشبندية وبين حزب البعث، ومن التحول من الطريقة إلى تنظيم داعش. وربما هذا التفصيل الأكثر إثارة في حياة الدوري، ولا يزال يذكرنا حتى اللحظة بهذا الواقع: من الضروري تقييم كل دولة من دول الشرق الوسط، وفقًا لظروفها الداخلية.

وعليه فإن العديد من المفاهيم التي حفظناها أو تعودنا عليها هنا في تركيا مثلًا، ربما نجدها على نقيض ما ألفناه في مواقف وحالات أخرى عند بلدان أخرى. وهذا لا ينطبق بالطبع على مفهوم "الصوفية-التصوف" فحسب، بل كذلك على مفاهيم عدة كالعلمانية والديمقراطية والانقلاب العسكري، حيث يمكن أن يكون لديها جميعًا معان مختلفة من بلد لآخر.

لهذا السبب، من الأفضل أن نتجنب كل أنواع الحكم المسبق وفق مفاهيم راسخة حفظناها وألفناها، حينما يكون الحديث عن دول الشرق الأوسط.


#عزت الدوري
#العراق
#حزب البعث
3 yıl önce
الرجل الثاني
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان