يوجد مزار في مدينة كاشان الإيرانية مغطى ببناء مخروطي ويقع ضمن حديقة محاطة بالخضرة. وعلى الرغم من عدم وجود زوار دائمين لهذا المزار بسبب موقعه، إلا أنه يستضيف فعاليات تحظى بمشاركة واسعة خاصة بين 13 و 27 من شهر ربيع الأول.

العبارات الرئيسية التي يستخدمها الزوار حول الشخص الذي يعتقد أن ضريحه يقع في هذا المزار هي كما يلي: "جندي السيدة فاطمة المخلص"، "الفدائي الذين قتل قاتل فاطمة"، "البطل الذي أنقذ العالم من الطاغية"، "بابا شجاع الدين"، "فيروز النهاوندي". ينسب هذا المزار، الذي تم بناؤه في القرن الرابع عشر، إلى أبي لؤلؤة فيروز، الذي طعن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب عام 644 م، حيث استشهد الأخير إثر ذلك. ولا يزال أبو لؤلؤة حتى الآن يعيش ضمن المخيلة الشعبية الشيعية.

وفقا للروايات التي استشهدت بها من المصادر الشيعية:

هرب أبو لؤلؤة أثناء الفوضى التي حدثت بعد طعن عمر بن الخطاب أثناء الصلاة، ومن ثم تم القبض على أبي لؤلؤة الذي سُجن في وقت لاحق. وبعد أن أمضى في السجن مدة طويلة، أطلق الإمام علي بن أبي طالب سراحه بشرط أن "يختفي". وتوفي أبو لؤلؤة في مدينة كاشان التي استقر بها بعد مغادرته المدينة. تم تجديد الضريح في القرن الخامس عشر في إطار سياسة الصفويين لتمجيد رموز التشيع ضد الدولة العثمانية وتم بناء المزار الحالي حينها.

في التقاليد الشيعية، يُعتقد أن السيدة فاطمة توفيت شهيدة، حيث تسبب عمر بن الخطاب في استشهادها. وفي القصص التي يرويها الدعاة الشيعة على المنابر بكل حماس وغضب، هناك تفاصيل يذكرونها كاقتحام عمر بن الخطاب بيت السيدة فاطمة، وتسببه في كسر ضلعها وإسقاط جنينها بعد ضربها. هذا الاعتقاد منتشر على نطاق واسع. وفي اليوم الثالث من شهر جمادى الآخرة تقام مراسم العزاء في إيران بمناسبة "استشهاد السيدة فاطمة". وعندما تلقى حادثة "استشهاد" السيدة فاطمة مثل هذا القبول الرسمي الواسع، يمكن بالطبع معرفة مدى اللعنة والكراهية الموجهة إلى "قاتلها".

ووفقا لهذه الخلفية الدينية، من السهل أن نفهم لماذا يتم التعامل مع ظاهرة أبي لؤلؤة على أنه "بطل". وعندما نبحث في ما وراء الكواليس، نرى أن القومية الفارسية بكل عريها، هي وراء الغضب الموجه إلى شخص مثل عمر بن الخطاب ووراء العديد من "الجرائم" المنسوبة إليه. ولا سيما أن جوهر الأمر هو فتح الأراضي الإيرانية (بلاد فارس) الذي حدث في عهد عمر بن الخطاب. في الواقع، استيلاء الجيوش الإسلامية على العراق وإيران ينظر إليه في المصادر الإيرانية على أنه "غزو عربي". وسبب كراهية الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب هو في الواقع قومية مبتذلة مغطاة بصلصة الدين.

ما ذكرني بهذه التفاصيل، التي يعرفها كل من يدرك التوازنات الداخلية في الشرق الأوسط، كان تقريرا إخباريا قرأته فور نشر مقالتي يوم السبت 25 فبراير/شباط الفائت التي كانت تحت عنوان "قنبلة يدوية".

ووفقا لهذا التقرير الإخباري الذي أحدث ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي: قناة الشعائر التلفزيونية العراقية تستعد لإطلاق فيلم بعنوان "شجاعة أبي لؤلؤة النهاوندي" وذلك ردا على مسلسل "معاوية" الذي ستعرضه مجموعة قنوات إم بي سي MBC المملوكة للسعودية، في شهر رمضان القادم. كما أن فيلم "شجاعة أبي لؤلؤة النهاوندي" الذي يمدح قاتل عمر علناً، سيُذاع في رمضان أيضا، ما أثار ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

واعتبر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي من كافة أنحاء العالم الإسلامي أن هذه المبادرة بمثابة استفزاز. أما الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، الذي تحدثت عن ردة فعله على مسلسل معاوية وقناة إم بي سي في مقالي السابق، لم يخف ردة فعله أيضا إزاء فيلم أبي لؤلؤة وقناة الشعائر. حيث قال: مسلسلي "معاوية" و"أبو لؤلؤة" كلاهما باطل ومثير للفتنة، ولا تمثل (الشخصيتان) السنة والشيعة. وبالطبع، أدت وجهة النظر هذه، إلى توجيه سيل جديد من الانتقادات.

كمسلمين نعيش في تركيا، نحن بعيدون إلى حد كبير عن المناقشات الدينية التاريخية التي تجتاح جداول أعمال الشعوب والبلدان من حولنا. وهذا موقف عقلاني حتى لا ننتج جروحا جديدة من صراعات التاريخ. ومع ذلك، وبما أن نقاط التوتر الداخلي في العالم الإسلامي تشكل أساس العديد من المشاكل التي نواجهها اليوم، فمن المفيد متابعة هذه المناقشات عن كثب. لأنه من الممكن فهم منطقتنا بشكل أعمق بمثل هذه المتابعة.