|
شبح "فخر الدين باشا" سيطارد الإمارات
تعتبر الأشباح، وإن كان معلوما عدم وجودها، من الظواهر المؤثرة - بشكل أو بآخر - في حياة البشر. وكلمة ظاهرة تعني الشيء الظاهر، أي إدراكنا لشيء ما.


إن وجود أصل أي شيء من عدمه لا يحمل أي أهمية في مرحلة معينة، بل المهم هو كيفية انعكاس ذلك الشيء على أذهاننا، وكيف نعترف به في حياتنا، وكيف يؤثر بهذه الطريقة في نفسية الإنسان وميوله.


وعادة ما تحل الأشباح ضيفا في هيئة "تصوُّر" - على أكثر تقدير - على حياة أصحابها وأولئك الذين عاشت معهم وكانت بينها وبينهم حسابات لم تقفل في الماضي، فتؤثر فيهم، بل وتخيفهم. وهو ما يناقشه الكثير من الأفلام التي يكون فيها أكثر الأشخاص الذين يخافون من الأشباح هم أولئك القتلة الذين ارتكبوا في الماضي جرما في حق جسد ذلك الشبح. ففي حقيقة الأمر، يكون شعورهم بالذنب هو الذي يحيي هؤلاء الموتى في أذهانهم. إنهم يعرفون جريمتهم ويخشون عودة محتملة لتلك الأشباح إلى الحياة يوما ما لتحاسبهم على أفعالهم.


من المستحيل ألا يشعر بالألم الداخلي ضميرُ من أقدم على ظلم الأطفال الفلسطينيين الأبرياء لصالح الإسرائيليين المعتدين وتنفيذ عملية "السطو" الرامية لحيازة ملكية القدس، الإرث الإنساني المشترك، غير آبه بجميع المقدسات، بغض النظر عن العقلية الشريرة التي يمتلكها. فذلك الضمير سيجول بشبح الأطفال الفلسطينيين فوق الولايات المتحدة في صورة القدس.


وعندما قال كارل ماركس أوساط القرن التاسع عشر "ثمة شبح يحوم حول أوروبا: شبح الشيوعية"، كان يتحدث عن النهاية التي أعدتها الآلام التي أرّقت مضاجع الناس بسبب الرأسمالية الأوروبية من أجل تلك الرأسمالية والاستغلال للبشر. فما كان يعد نهاية الرأسمالية هو شبح الطبقات المسحوقة التي أفرزتها مخاوف الرأسمالية ذاتها.


وكذلك فالمخاوف التي ظهرت إلى السطح اليوم في صورة "الإسلاموفوبيا" هي ذاتها شبح الأطفال المسلمين المظلومين الذين يعتقد أنهم قتلوا بوحشية قبل مائة عام، فهذا الشبح يذكرنا بجميع الجرائم التي ارتكبت ضد الإسلام. وما يقلقهم ويسيطر على أذهانهم هو الخوف من أنهم سيحاسبون على تلك الجرائم عاجلا أو آجلا. وللهروب من ذلك، يزيد عدوانهم وهجومهم بتصرفات مستكبرة، وينعتون المسلمين بصفات الإرهاب. فهم يعرفونهم جيدا، وفي الواقع فإن الجرائم التي ارتكبوها ضد المسلمين ستسلبهم عقولهم.


ثمة شبح يحوم حول العالم، شبح القدس، شبح المسلمين. وما يميز هذا الشبح أنه شبح واقعي.


من الجلي أن أمير دولة الإمارات ووزير خارجيتها يخافان من هذا الشبح الذي يظهر لهما في صورة فخر الدين باشا.


وللإمارات نصيب من كل قطرة دماء بريئة سفكت على كل بقعة تقريبا من بقاع العالم الإسلامي في السنوات القليلة الماضية. فقد حرضت تلك الدولة على تنفيذ انقلاب عسكري في مصر ضد أول رئيس منتخب في انتخابات حرة ونزيهة، بل وساهمت في تنظيم شؤون الانقلاب وتمويله لتمهد الطريق أمام سفك دماء المظلومين من أفراد الشعب المصري.


وبعد ذلك بسنوات أرسلت اللواء حفتر إلى ليبيا التي تخلصت من الاستبداد لصالح إرادتها الحرة وبدأت مرحلة من الحوار والتوافق الوطني، وبعد ذلك مولته لتجعل الفوضى والحرب الأهلية تعود إلى ليبيا، وذلك بالتعاون مع الجارة مصر.


ثم اتجهوا أبناء زايد إلى اليمن ليقلبوا ثورتها الشعبية رأسا على عقب ويجرونها إلى حرب أهلية ذات طريق مسدود، وكانت المؤامرات الإماراتية هي السبب في ذلك.


وإذا كان ثمة قلاقل في تونس فللإمارات حتما إصبع فيها. كما كانت هناك محاولة إثارة للفوضى في المغرب، وعندما تقصى المختصون وجدوا للإمارات دورا في ذلك. هذا فضلا عن أنها كانت الجهة التي دعمت محاولة الانقلاب ضد عمر البشير في السودان قبل أشهر لتجر البلاد إلى حالة من الفوضى لا يعلم عاقبتها إلا الله.


هذا إلى جانب أن جميع محاولات الانقلاب وإثارة الفوضى التي شهدتها تركيا منذ تاريخ 7 فبراير عن طريق تنظيمي غولن أو بي كا كا الإرهابيين كان للإمارات دور فيها.


ولقد كُشف النقاب عن عادة تنظيم المؤامرات والتدخل في شؤون البلاد لدرجة أن اسم الإمارات تحول بين المواطنين العرب إلى اسم "المؤامرات".


لقد أصبحنا نفكر في سبب هذا الجهد الذي تبذله الإمارات للعدوان على الإسلام. فمن أين سُلط الخوف من الإسلام، أكثر من أمريكا وإسرائيل، على الأسرة الحاكمة لدولة يحمل معظم أفرادها اسم نبي هذا الدين؟


ولماذا يلعب هذا البلد – طواعية – دور حصان طروادة للمخطط الصهيوني في العالم الإسلامي؟ فما أصبح واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار أن ثمة رابطا يربط الإمارات بإسرائيل والعالم الماسوني، لكن سببا آخر من المفترض أن يكون مصدرا لهذا الهجوم بالرغم من كل تلك الروابط.


ويتضح أن مشاركة حساب وزير الخارجية الإماراتي على تويتر، بموافقة شخصية منه، تغريدة عن القائد العثماني فخر الدين باشا، كانت أكثر التفسيرات المنطقة لتلك المخاوف التي ذكرتها آنفا.


إن الإمارات عاجزة عن التخلص من تاريخها وتعذيب ضميرها والجرائم والخيانات التي ارتكبتها قبل قرن من الزمان. ولهذا فهي تهاجم بشكل أشرس من أمريكا وإسرائيل، تهاجم بأشرس ما لديها، غير متبعة لقواعد، ودون حتى أن تشعر بحاجة لستر هويتها. فشبح فخر الدين باشا يحوم حولها، في حين تحاول أن تتخلص منه، وكلما حاولت ذلك تجد نفسها واقعة في مصيدة ماضيها.


وكلما علا صوت أردوغان الجهور أكثر ليكون أملا للشعوب المظلومة في العالم الإسلامي، تتردد في آذان أبناء الإمارات عبارة "إنه صوت فخر الدين باشا الذي عاد لينتقم من خيانتكم للأتراك وسائر شعوب وبلاد المسلمين".


كلما علا الصوت زاد الضيق، ولهذا فهم يهاجمون تركيا وشخص أردوغان وهم يتصورون أنهم يطلقون النار في خوف وقلة حيلة على شبح فخر الدين باشا.


لكن كان من الجيد أن يذكروا فخر الدين باشا بهذه الطريقة؛ إذ أتيحت للناس فرصة التعرف عن قرب على جريمة متستر عليها وضحيتها فخر الدين باشا ومهمته، كما أدركوا جيدا الدور الذي تلعبه اليوم الإمارات بصفتها وريث من خانوا ذلك القائد العثماني.


وكلنا نعلم أن التاريخ فرع معرفي ذو وجهان، فتارة نقرأ الماضي في ضوء الحاضر، وتارة أخرى يرسل الماضي أشباحه إلى الحاضر. 

#ياسين أكطاي
6 yıl önce
شبح "فخر الدين باشا" سيطارد الإمارات
إبادة غزة.. المهمة الحضارية الجديدة لبريطانيا والولايات المتحدة
هل رؤية حزب الشعب الجمهوري للجامعات تتفق مع رؤية تانجو أوزجان؟
أولياء بخارى
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات