|
حول مسألة الصداقة والأمانة

أنا الآن في حالة أرغب فيها أن أشرح عما يدور في نفسي دون أن أقول أي شيء وبصمت.


وعبر شرحنا من خلال الصمت نأمل أن نقول شيء ما يكون إيجابيًا في مكان لا يمكنك فيه إيضاح ما يدور بداخلك عن طريق كتابة عشرات الصفحات أو التحدث لساعات، حيث من الممكن تحريف المعنى أو نواياك بطريقة غير لائقة. وأشعر بهذا الشيء أكثر وأكثر في كل لحظة.

كانت قضية صديقي العزيز جمال خاشقجي، الذي قُتل بوحشية في إسطنبول، مسألة صداقة وأمانة بالنسبة لي قبل أن تكون مسألة بين الدول.

إن المسؤولية التي لا مفر منها تقع على عاتقي لإجراء محاسبة عامة لهذه الأمانة، وذلك بسبب ما فعلته وقلته منذ بداية القضية حتى الآن.

أولًا وقبل كل شيء، عندما تبنيت قضية خاشقجي، كنت أتصرف دائمًا بشعور بأنني مكلف بدور أمانة لا علاقة له بموقفي السياسي أو مسيرتي المهنية.

لقد أعطى خاشقجي هذه الأمانة لي شخصيًا، وفي الوقت الذي كنت أتولى به هذا الدور لم أكن جزءًا من أي برنامج سياسي ولم أتلق أبدًا أي تعليمات من أي مكان فيما يتعلق بما قمت به أو سأفعله، ولم يقدم لي أحد مثل هذه التعليمات، باستثناء صديقي المتوفى الشهيد في وصيته (خاشقجي).

لقد أعطى خاشقجي خصوصيته لي بصفتي الشخص الذي يمكنه الاتصال به إذا حدث أي شيء له في هذا البلد. مثل هذه الوصية قد تضع الشخص تحت مسؤولية كبيرة. وبكل أسف، علمت بهذا بعد استشهاده.

لقد ضحى بحياته بالفعل عندما تلقيت مكالمة هاتفية، علمت من خلالها أنه دخل القنصلية ولم يخرج مرة أخرى. لكن لا أعرف ولا أي شخص آخر عن هذا الجزء من الحدث حتى الآن.

وقمت بما هو ضروري إزاء الأمانة المودعة لي وأحلتها إلى جميع السلطات اللازمة بمجرد أن سمعت بالحادثة. وفي اللحظة الأولى، كان أملي وتوقعاتي أنه على قيد الحياة، و كنت أركز على منع اقتياده بعيدًا ضد إرادته كأسوأ سيناريو كنت أتخيله.

وفي فترة قصيرة، سرعان ما بدت تفاصيل الحادثة واضحة، توصلت إلى استنتاج مفاده أن وصيته بالنسبة لي لم تعد إنقاذ حياته، بل السعي لإعلان قضيته للعالم.

لم يكن هناك شيء يمكنه فعله لإنقاذ حياته، سوى أن يكون هناك ثمن يدفعه القاتل والظالم لارتكابه جريمة قتله.كما شهد العالم أنني بذلت قصارى جهدي في هذا الاتجاه. و قددفع القتلة ثمنًا باهظًا، وإن لم يكن نفس الثمن الذي يستحقونه.

لا يمكننا توقع من يتحمل كامل المسؤولية بدقة حول هذا الأمر. فمن هو القاتل الحقيقي؟ أو من هو المحرض؟ هل هذه كانت النية الحقيقية أم غيرها؟

وبالرغم من أن الضمير المجتمعي أصدر حكمه حول هذه القضية إلا أن إجراءات المحكمة لا يمكن أن تُكتمل، ولا يمكن استكمالها في ظروف هذا العالم.

تركيا، بموقف رئيسها الحازم، فعلت ما لم تفعله أو لا يمكن أن تفعله أي دولة أخرى، وطالبت بالعدالة دون ترك أي مجال للتفاوض والمساومة إزاء القضية.

وأكدت تركيا أنه يجب تقديم المجرمين إلى العدالة التركية. واستمرت المحاكمة في تركيا حتى وصلت إلى حد ما يجب القيام به، حيث أن المتهمين لم يحضروا للإدلاء بشهاداتهم حول هذه القضية، وبذلك تم إيقاف المحاكمة على أساس أنه لا يمكن اتخاذ قرار ضدهم غيابيًا وفقا للقانون الجنائي.

لكن في محاكمة المتهمين في السعودية، أعلن جميع المشتبه بهم أنهم ارتكبوا الجرائم بمحض إرادتهم. وإذا تكررت نفس الاعترافات في المحكمة التركية، فلن تكون قادرًا على اتخاذ قرار مختلف حتى لو أخبرك ضميرك بخلاف ذلك.

وأعلنت عائلة خاشقجي أنها عفت أيضًا عن أولئك الذين تحملوا المسؤولية الكاملة عن الجريمة، وفتحت بابًا من خلال الشريعة إلى الاتجاه للعفو .

وعلى الرغم من أن الضمير قد يقول شيئًا مغاير لذلك، إلا أنه كان طريقة تحد من طرق القضاء.

ولا تزال خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، ومديرو منظمة "الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن"، أمام محاكمة وقضية مستمرة ولا نعرف ماذا ستكون النتائج. ويشار إلى أن تلك المنظمة أسسها جمال خاشقجي قبل مقتله.

وعندما قرر القضاء التركي، إحالة قضية محاكمة متهمين بجريمة مقتل خاشقجي إلى السلطات القضائية السعودية. كان الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله للأشخاص الذين اتصلوا بي وطلبوا رأيي هو الاعتذار.

من ناحية أخرى، لم أكن أعرف ما كان يحدث بشأن هذه القضية وفي تلك المرحلة كما كنت أعرف في البدايات، وبصفتي صديقًا لخاشقجي، وأجد نفسي في خضم تلك القضية، لكن لم يتم إبلاغي أو استشارتي رسميًا من قبل أي سلطة رسمية إزاء ذلك.

بغض النظر أن المدعي العام طلب الإدلاء بأقوالي في مرحلة ما، لكن لم يتساءل أحد عن آرائي أو ما أعرفه عن طبيعة علاقتنا. وكنت متقدمًا على الجميع إزاء هذه القضية بسبب قانون علاقتي مع خاشقجي ولم يكن ذلك مبنيًا على واجب رسمي.

لذلك، بغض النظر عن قضية خاشقجي، فأنا لن أتدخل وبعيد تمامًا فيما يتعلق بالتقارب مع السعودية.

إذا كان لدي بعض التدخلات في تلك الحوادث أو منخرطًا بها، أود أن استفسر عن أوضاع بعض الأشخاص المظلومين الذين تم اعتقالهم وسجنهم ظلماً لسنوات بسبب تواصلهم معي بمحادثات عبر برنامج واتس آب، وأطلب بكل تأكيد الإفراج عنهم، باستثناء صديقي العزيز الذي كان استشهد إزاء هذا التقارب،

أود أن استسفسر وأسأل عن أوضاع مئات العلماء والمثقفين، الذين سجنوا لسنوات ظلمًا وفي ظل ظروف صعبة للغاية على الرغم من كبر سنهم ومرضهم، بالإضافة إلى أن جميعهم ذوو قيمة للعالم الإسلامي.

وفي هذا الصدد، مضت أربع سنوات على هذا الوضع القضائي وتغير الكثير في العالم وحدثت سلسلة من التطورات.

من ناحية أخرى، علاقة تركيا مع العالم العربي والفجوات التي كونتها هذه القضية، شكلت حالة من الحصار حول تركيا والعالم الإسلامي.

وتنتهز اليونان، بدعم من الاتحاد الأوروربي، فرصة غير مسبوقة لتوسيع تلك الفجوات بين تركيا والعالم العربي، كما أنها تجرأت على تحدي تركيا من خلال هذه الفجوة .

الرئيس أردوغان يمكنه المجازفة بمعارضة العالم كله من أجل العدالة عند الضرورة لذلك، وأنا أعلم مدى حساسيته إزاء مصالح تركيا والعالم الإسلامي، وكنت واحدًا من أقرب الشهود على ذلك لسنوات، كما تشهد الأمة والعالم الإسلامي بأسره ذلك.

وأثق أن أردوغان أجرى تقييمًا لجميع العوامل في هذه الحالة بالطريقة الأكثر إنصافًا لتركيا والعالم الإسلامي.

حتى العالم الإسلامي، الذي يكن احترامًا وإعجابًا كبيرين لتركيا وأردوغان بسبب موقفهما من قضية خاشقجي ومن العمليات العربية المضادة للثورة، يتطلع إلى اتخاذ خطوات من شأنها إذابة الجليد وتطبيع العلاقات على الرغم من كل الخلافات بين تركيا والعالم العربي.

هذه التطلعات ليس فقط تركيا بحاجتها بل يحتاجها العالم الإسلامي بأسره. وهناك مشكلة خطيرة تتمثل في الافتقار إلى السياسة في العالم الإسلامي اليوم بسبب تلك القطيعة. ولهذا السبب بالتحديد، لا يوجد تناقضات بين المبادرات الحالية والمواقف المبدئية السابقة، بل على العكس من ذلك، حركت خطوات التطبيع الآمال والحماس.

وبكل تأكيد، قضيتي وحالتي، إزاء صديقي خاشقجي ما تزال قائمة، وبغض النظر عن ما تقوله المحاكم والسياسة، سأستمر في المساءلة في قضيته بالتوجه بها إلى رب العالمين فهو الذي يعطي أفضل حكم عادل.

وفي هذا الصدد، إن أولئك الأشخاص الذين ليس لهم علاقة لا بالعدالة ولا مصلحة البلد ولا يقفون بجانب أردوغان لا بقضية خاشقجي ولا حتى بأي قضية أخرى، من الواضح أنهم كانوا يتطلعون إلى موقف حاد ومتعصب منه ومني إزاء تلك الحادثة. وبالنهاية ليس لدينا رد على تلك الاستفزازات الجبانة، وليس لدينا الوقت لتضييع حتى لو ثانية واحدة وإعطاء قيمة لتلك الاستفزازت.

#خاشقجي
#تركيا
#السعودية
#العلاقات التركية السعودية
2 yıl önce
حول مسألة الصداقة والأمانة
وسائل التواصل الاجتماعي تُساهم في إنقاذ ترامب
من سيحل محل هتلر في الرواية الصهيونية القادمة؟
نداء لأغنياء المسلمين
مجلة "ذا أمريكان كونسيرفاتيف": تنظيم "واي بي جي" الإرهابي يشكل تهديدًا لتركيا وحلف الناتو
غزة.. نقطة تحول تاريخية