|
قمة 5 مارس.. اختبار للنظام العالمي

تعتبر مسألة إدلب نهاية الطريق، وبمعنى آخر هي الاختبار الأخير للنظام العالمي في توفير تنظيم المنطقة. وإن مستقبل العلاقات الروسية-التركية التي تسير بشكل جيد للغاية منذ 2018، مرتبطة بذلك بلا شك.

إن تحوّل الرغبة في إنشاء مناطق خالية من الصراع إلى حالة من الاقتتال على الأرض، يشير بدوره إلى عمق المشكلة القائمة. لقد بات من الواضح تمامًا أن المشكلة ليست فقط خسائر بشرية وانتهاكًا لحقوق الإنسان، او نظامًا متعنتًا يقتل شعبه ويسحقه في سبيل المحافظة على السلطة.

إن القضية السورية وبجوهرها الأهم إدلب، باتت تمثل النقطة الأخيرة في الحرب العالمية الثالثة التي يتم تنفيذها سرًّا.

دعوني أذكّر أولئك الذين يظنون أنني أبالغ: إن تداعي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا من أجل قطعة أرض صغيرة؛ إن لم يكن حربًا عالمية ثالثة، فما هو السبب إذن؟ ماذا يمكنكم تسمية ذلك بينما كل الذرائع من أجل حرب كبرى أو باردة موجودة على الطاولة؟ نحن أمام تكتّل واضح الآن بين أكثر دولة متضررة مما يجري وهي تركيا، وبين أكثر دولة غير متأثرة بذلك وهي روسيا، الولايات المتحدة كما في جميع الحروب الماضية، تعمل على جمع الأرباح قبل أن تضع نفسها في مأزق، أما دخول ألمانيا وفرنسا على الخط، فإنه يذكرنا بما عاشه العالم في كلا الحربين (الأولى والثانية).

إن اكتفاء الولايات المتحدة بالمشاهدة من بعيد لما يجري، وتدخل الناتو أخيرًا لما يجري بين روسيا وتركيا، عبر جناحيه الرئيسيين؛ ألمانيا وفرنسا من خلال حضورهما قمة 5 مارس/آذار؛ كل ذلك يوحي إلى درجة كبيرة أن المرحلة قد وصلت حقًّا إلى النقطة الأخيرة، أو إلى مرحلة أخرى جديدة. وعلينا أن نعترف بأن هذه القمة التي تم التوصل لها بضغط تركي متمثل بشكل خاص بضغط الرئيس أردوغان؛ لا تشبه على الإطلاق قمة السبع حيث يجتمع الأغنياء فيما بينهم، ولا قمة العشرين حيث يجتمع الفقراء الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، بالأغنياء. المسؤولية هنا أكبر للغاية ومن المحتمل أن تكون النتائج أكثر أهمية بكثير.

قمة 5 مارس القادمة، إما أنها ستكون تمهدًا للطريق نحو السلام العالمي، أو أنها ستكون أرضية لتفجير ألغام مزروعة منذ زمن. على الرغم من أهميتها إلا أن التجارب اليوم تُظهر أن النتائج لا تكون سهلة للغاية. تمامًا كقمّة برلين التي كانت مؤخرًا بريق أمل فارغ من أجل ليبيا، إلا أن الفارق هنا هو أن المسألة السورية قد وصلت إلى درجة لا تقبل المماطلة أو التأجيل. لم يعد من الممكن أن تضبط الحشود العسكرية الأمريكية او الروسية او التركية نفسها، في تلك البقعة الصغيرة الضيقة، فضلًا عن أولئك الذين يقاتلون بالوكالة، أو ذلك النظام المدلل المدعوم من روسيا وإيران.

في مثل هكذا وضع، يصعب تحديد من يمتلك مزايا أو لا. ولذلك لا شك في أن الجميع يسعى للحصول على نتيجة، ومن أجل ذلك تراهم قد تركوا القيم الإنسانية والعواطف جانبًا وقد فضّلوا الطريقة الميكيافيلية.

لقد بدأت من الآن الفرق التي ستعدّ رؤساها لقمة 5 مارس، بإجراء تحليل للتاريخ النفسي. المستشارون لن يعرضوا أمام الرؤساء حقوقَ تركيا التاريخية والثقافية والدينية، ولا التهديد الأمني الذي تعيشه كذلك. بالعكس، سيذكّرون بالنتائج والادعاءات المتعلقة بتاريخهم هم في سوريا.

المستشارون الفرنسيون سيقولون أن أنشطتهم في منطقة "بلاد الشام الفرنسية" (سوريا ولبنان) منذ منتصف القرن التاسع عشر، قد منحتهم الحق في إقامة حكم الانتداب في المنطقة، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

المستشارون الألمان سوف يقصون على ميركل قصة الملك فيلهلم الذي تخطى بسمارك وتحول نحو السياسة العالمية، وربما يقصون عليها زيارته إلى سوريا وفلسطين. على الرغم من هزيمتهم الحرب التي خاضوها إلى جانب العثمانيين، إلا أن المستشارين سوف يصرون على تغذية موقف ميركل العنيد، وهو أن القوة التي اكتسبوها اليوم تعود إلى سياسة الانفتاح على الشرق.

بوتين لن يكون محتاجًا لأن يسمع من مستشاريه. لأنه يدرك أن أحلامهم في البحر المتوسط والتي استمرت 500 عامًا، لم تتحق إلا بعد دخول نابليون إلى مصر التي كانت لا تزال أرضًا عثمانية، وأنهم تمكنوا من الوصول للبحر المتوسط عبر بوابة الإمبراطورية العثمانية.

بينما هذه الحقائق في ذهن أي قارئ عادي للتاريخ، فإن أولئك الذين يجبرون تركيا على اللعب بالوقت، ويريدون منها أن تتبنّى الهزيمة مسبقًا طمعًا في الابتعاد عن ما يسمّى حرب؛ هؤلاء لا محل لهم من الإعراب. حينما يحتل أحدهم حديقة بيتك الخلفية فإن الوقت ليس حليفًا لك كي تستمتع بمشاهدتهم من شرفة البيت.

خلاصة الأمر، دعونا نتذكر مرة أخرى. في ظل كل هذه التكهنات والتحليلات القائمة على التاريخ النفسي، فإننا نقول مرة أخرى، بأن قمة 5 مارس/آذار المقبلة ستكون آخر اختبار للنظام العالمي، إما سلام أو حرب.

#قمة 5 مارس
٪d سنوات قبل
قمة 5 مارس.. اختبار للنظام العالمي
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة