|

اللاعب المتردد.. سياسة المناخ الروسية

روسيا وقعت كل المعاهدات المناخية للأمم المتحدة وكانت مشاركا نشطا في المفاوضات من خلال التكتلات الدولية المختلفة، ومع ذلك لا يزال سجلها المناخي الفعلي من بين الأسوأ في العالم

11:24 - 22/10/2021 Cuma
تحديث: 11:25 - 22/10/2021 Cuma
الأناضول
اللاعب المتردد.. سياسة المناخ الروسية
اللاعب المتردد.. سياسة المناخ الروسية

مع بقاء أيام قليلة على موعد مؤتمر "تغير المناخ" بمدينة غلاسكو الاسكتلندية، ورغم تحذير الأمم المتحدة من وصول الظاهرة إلى "اللون الأحمر"، إلا أ سياسة المناخ في روسيا لا تساهم بشكل فعال في الحد من الانبعاثات العالمية.

برزت روسيا لاعبا رئيسا في سياسات المناخ الدولية بسبب دورها الحاسم في بروتوكول "كيوتو" الدولي حول المناخ، ومكانتها بوصفها موردا عالميا رئيسا للوقود الأحفوري، وحصتها الكبيرة في الانبعاثات العالمية.

فمنذ صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة، سعت روسيا لاستعادة دورها العالمي من خلال دخول نوادي القوى العظمى، وجعل البلاد متواجدة على الدوام في الساحة الدولية عبر العمل على تحقيق مكاسب سياسية ومزايا اقتصادية مقابل التعاون بمجال المناخ.

كما حاولت موسكو، تسوية هذه القضايا من خلال تقديم نفسها قوة بيئية عظمى خلال مفاوضات المناح الدولية، لكنها كانت حذرة في تقديم التزاماتها، لذلك لم يكن مفاجئا، عدم مشاركتها في بروتوكول "كيوتو 2"، وعدم تصديقها على اتفاق باريس للمناخ إلا متأخرا.

يجادل البعض أن روسيا "لاعب متردد"، والكثير من سياستها المناخية والتزامها الدولي هو مجرد "عرض جذاب" لاكتساب صورة جميلة في الساحات الدولية من خلال إعلان السياسات بدلا من اتخاذ إجراءات فعلية.

وفي حين أن البلاد وقعت كل المعاهدات المناخية للأمم المتحدة تقريبا، وكانت "مشاركا نشطا" لعدة سنوات في المفاوضات من خلال التكتلات الدولية مثل مجموعتي "العشرين"، و"بريكس"، إلا أن سجلها المناخي الفعلي يعد من بين الأسوأ في العالم.

ويعقد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في غلاسكو خلال الفترة بين 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري و12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بهدف اتخاذ مزيد من الإجراءات للحد من تغير المناخ.

** من "كيوتو" إلى "باريس"

بعد رفض الولايات المتحدة الانضمام إلى بروتوكول كيوتو (عام 1992 في البرازيل)، لعبت روسيا دورا حاسما في دخوله حيز التنفيذ عبر التصديق عليه، حيث احتاج تنفيذه إلى توقيع الدول التي تمثل 55 بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، ومنها روسيا التي تمثل 17.4 بالمئة.

بحلول عام 1997، انكمش الاقتصاد الروسي 39 بالمئة، كما انخفضت انبعاثات الغازات الدفيئة 34 بالمئة مقارنة بعام 1990، وهو هدف البروتوكول الأساسي.

في 2009، وافق الكرملين رسميا على وجهة النظر الخاصة بتغير المناخ ذات المنشأ البشري، رغم استمرار وجود شكوك حول المناخ في بعض الدوائر العلمية، ووسائل الإعلام، والخطاب العام، ثم جرى توقيع الوثيقة الأولى التي تتناول تغير المناخ خلال العام ذاته، من قبل الرئيس الروسي في حينه دميتري ميدفيديف.

في مؤتمر كوبنهاغن للتغير المناخي عام 2009، تبنت روسيا المزيد من الخطاب الإيجابي بشأن تغير المناخ والتعاون الدولي بخصوص ذلك، غير أنها عارضت التزامات بروتوكول "كيوتو 2" في مؤتمر المناخ بمدينة ديربان في جنوب إفريقيا عام 2011.

صدّقت روسيا على اتفاق باريس للمناخ في أكتوبر 2019، حيث تشير الأدلة إلى أنها قد تكون أكثر عرضة للتأثيرات السلبية لتغير المناخ أكثر من غيرها، فعلى سبيل المثال شهدت البلاد عام 2021 درجات حرارة قياسية عالية، حيث سجلت بعض المناطق فوق الدائرة القطبية الشمالية أعلى درجات حرارة لها على الإطلاق.

كما كانت "ياقوتيا" أكبر وأبرد منطقة في روسيا، مكانا لأكبر حرائق الغابات في العالم خلال العام الجاري، حيث دمرت الحرائق أكثر من 18.16 مليون هكتار من الغابات، وبذلك سجلت البلاد رقما قياسيا في حرائق الغابات، منذ بدأت في تتبعها عام 2011.

كما أجبرت الفيضانات المفاجئة مناطق بكاملها على الإخلاء، ما أدى إلى تهجير آلاف الروس.

حجم الكوارث الطبيعية "غير المسبوق على الإطلاق" أقلق الكرملين، ولا سيما الخسارة الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ، والتي ستضيع سنويا 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2030، وفق معطيات تقديرية.

** الطاقة المتجددة

وفقا للسيناريو الرسمي لكفاءة الطاقة في البلاد، فإن حوالي 5 بالمئة فقط من استهلاك الطاقة في روسيا سيأتي من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

تشكل عائدات تصدير الوقود الأحفوري عنصرا حيويا في ميزانية روسيا، وهو مصدر مهم لانبعاثات الغازات الدفيئة، لذلك يمكن أن تؤثر السياسات المناخية التي تقلل انبعاثات الغازات الدفيئة على الاقتصاد الروسي بشكل سلبي.

وتمثل صادرات البترول والغاز الطبيعي حوالي 40 بالمئة من ميزانية روسيا، حيث تظهر سيناريوهات تصدير الغاز الروسي حتى عام 2050، أن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي بنسبة 80 بالمئة سيقلل بنحو 75 بالمئة من صادرات موسكو من الغاز إلى دول التكتل.

كما أن التوسع في تصدير الفحم إلى السوق الآسيوية يعد أيضا موضع شك، خاصة و أن دولا مثل الصين وفيتنام واليابان وكوريا وغيرها، أصبحت تعطي الأولوية للطاقات البديلة عوضا عن الفحم الملوث.

** "وكلاء أجانب"

المشكلة ليست فقط في السياسيين الروس، ولكن عامة الناس أيضا لا يعتبرون أن تغير المناخ ظاهرة بشرية خطيرة، كما أن نشطاء المناخ ليسوا نشطين بما فيه الكفاية، ووسائل الإعلام الروسية لا تشجع وجهة النظر المؤيدة للمناخ.

ورغم أن تحالفا من منظمات علوم المناخ والبيئة الروسية بدأ زيادة الوعي حول المناخ، إلا أن الجمهور عادة ما يخلط بين توقعات الطقس وتوقعات المناخ. حيث اعترف 55 بالمئة فقط بالأسباب البشرية لتغير المناخ.

ووفقا لمسح أجرته شركة "إبسوس" للأبحاث في أبريل/ نيسان 2020، صنف 13 بالمئة فقط من الروس تغير المناخ باعتباره أهم قضية بيئية تواجه بلادهم، وهو أقل بكثير من دول مثل السعودية (25 بالمئة)، والمتوسط العالمي البالغ 37 بالمئة.

في سبتمبر/ أيلول 2019، خرج حوالي 7.6 ملايين شخص في 185 دولة إلى الشوارع للاحتجاج على التهديدات البيئية، وكانت روسيا واحدة من تلك الدول لكنها شهدت أقل عدد للمتظاهرين (ما يزيد قليلا على 80 شخصا)، لتحتل مكانة بعيدة جدا عن دول مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا.

عند تفسير هذه الأعداد المنخفضة، يجب أن نأخذ بالحسبان قوانين الدولة المقيدة للاحتجاجات العامة، والافتقار العام للوعي حول تغير المناخ بين السكان، وعدم تغطية القضية إعلاميا.

غالبا ما تعتبر السلطات الروسية، المنظمات البيئية غير الحكومية "غير شرعية"، حيث أصدرت "قوانين عديدة" للحد منها.

كما لم تعد الحركة البيئية قادرة على حشد قطاع عريض من الجمهور، حيث وصفت إدارة بوتين العديد من المنظمات البيئية بأنها "معادية لروسيا" واستخدمت أساليب عدائية ضدها مثل مداهمة مكاتبها، وترهيب الصحفيين، ووضع إجراءات تشريعية صارمة لقمع حملات المناصرة والمقاومة.

وأشار تقرير حديث صادر عن الاتحاد الاجتماعي والبيئي الروسي، إلى أن عام 2020 شهد معاناة 450 ناشطا بيئيا من الاضطهاد في 26 منطقة بالبلاد، بينما توفي شخص واحد.

ووفقا لقانون "الوكلاء الأجانب" لعام 2012، فإن المنظمات العامة التي تتلقى تمويلا أجنبيا وتنخرط في "نشاط سياسي" تسجل باسم "وكلاء أجانب" ويجب عليها أن تدفع غرامات كبيرة أو تتوقف عن العمل.

حتى يوليو/ تموز 2021، أدرجت في سجل "الوكيل الأجنبي" 76 منظمة، كما أدرجت في سجل إعلامي إضافي 20 وسيلة إعلامية، وأفرادا، حيث كانت الحملة على الجماعات البيئية قاسية بشكل خاص، وقد أظهر تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2017، إغلاق 14 منظمة منها جراء القانون.

ما زالت سياسة وإجراءات روسيا حول البيئة، تتخلف كثيرا عن تلك التي تتبعها باقي الدول الكبرى، ومع ذلك، يبدو أن موسكو تواجه "معضلة السجين"، حيث تبدو أفعالها غير المتعاونة مناسبة على المستوى الفردي، ولكن على حساب النتائج الأفضل على المستوى الجماعي.

** الكاتب يدرس مرحلة الدكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة "كوتش" في إسطنبول.

** الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول.

#اللون الأحمر
#تغير المناخ
#روسيا
#غلاسكو
#للأمم المتحدة
#مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ
3 yıl önce